الصيام
الزيارات:

Unknown | 5:26 ص |

الصيام



تعريف الصيام
الصيام يطلق على الإمساك؛ قال اللّه تعالى: " إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً " [مريم:26] أي؛ إمساكاً عن الكلام. والمقصود به هنا، الإمساك عن المفطّرات، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس، مع النية.
فضلُه
1ـ عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "قال اللّه عز وجل: كلُّ عمل ابن آدمَ له، إلا الصيام؛ فإنه لي(1) وأنا أجْزِي به(2). والصيامُ جُنّةٌ(3)، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرْفثْ(4)، ولا يَصْخَبْ(5)، ولا يَجْهل(6)، فإن شاتمه أَحدٌ أو قاتله، فَلْيقل: إني صائم _ مَرَّتين _ والذي نَفْسُ محمد بيده، لخلوف(7) فم الصائم، أطيبُ عندَ اللّه يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فَرْحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فَرِح بفطره، وإذا لقي ربّه فرح بصَومِه"(8). رواه أحمد، ومسلم، والنسائي.
2ـ ورواية البخاري، وأبي داود: "الصيام جُنّةٌ، فإذا كان أحدكم صائماً، فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امْرؤٌ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم _ مرتين _ والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم، أطيب عند اللّه من ريح المسك: يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشرة أمثالها"(9).
3ـ وعن عبد اللّه بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيامُ والقرآنُ يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيامُ: أي(10) رب، منعته الطعام، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشَفعني فيه. فَيُشَفّعان(11)"(12).
رواه أحمد بسند صحيح.
4ـ وعن أبي أمامة، قال: أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: مُرْني بعَمل يُدخِلني الجنة قال: "عَليك بالصوم؛ فإنه لا عِدْلَ له"(13). ثم أتيته الثانية، فقال: "عليك بالصيام"(14). رواه أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه.
5ـ وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصوم عبدٌ يوماً في سبيل اللّه، إلا باعَدَ اللّه بذلك اليوم النارَ عن وجهه سبعين خريفاً"(15). رواه الجماعة إلا أبا داود.
6ـ وعن سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للجنة باباً، يقال له: الرَّيان. يقال يوم القيامة: أين الصائمون ؟ فإذا دخل آخرُهم، أُغلِق ذلك الباب"(16). رواه البخاري، ومسلم.
(1)إضافته إلى اللّه إضافة تشريف.
(2) هذا الحديث بعضه قدسي، وبعضه نبوي، فالنبوي من قوله: "والصيام جنة...". إلى آخر الحديث.
(3) "جنة": أي؛ مانع من المعاصي (4) "الرفث": أي؛ الفحش في القول. (5) "لا يصخب": أي؛ لا يصيح (6) "لا يجهل": أي؛ لا يسفه. (7) "الخلوف": تغير رائحة الفم؛ بسبب الصوم.
(8) مسلم: كتـاب الصيـام - بـاب فضل الصيـام، برقم (163) (2 / 807)، والنسائي: كتـاب الصيـام - باب ذكر الاختـلاف على أبي صالح في هذا الحديث، برقم (2216) (4 / 163، 164)، وأحمد في "المسند" (2 / 273).
(9) البخاري: كتاب الصوم - باب فضل الصوم (3 / 31)، ومسلم، مختصراً: كتاب الصيام - باب فضل الصيام، برقم (163) (2 / 807)، وأبو داود مختصراً: كتاب الصوم - باب الغيبة للصائم، برقم (2363) (2 / 768)، وابن ماجه: كتاب الصيام _ باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، برقم (1691) (1 / 539)، والنسائي: كتاب الصيام - باب فضل الصيام، برقم (2217) (4 / 164)، والموطأ: كتاب الصيام - باب جامع الصيام، برقم (57، 58) (1 / 310)، وأحمد في "المسند" (2 / 245، 257، 273، 6 / 224)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب فضل شهر رمضان وفضل الصيام على سبيل الاختصار (4 / 304).
(10) أي: حرف نداء بمعنى "يا" أي؛ يا رب. (11) أي؛ تقبل شفاعتهما.
(12) أحمد في "المسند" (2 / 174). (13) "لا عدل له": أي؛ لا مثل له.
(14) النسائي: كتاب الصيـام - باب ذكر الاختـلاف على محمد بن أبي يعقوب، في حديث أبي أمامة، في فضل الصائم، برقم (2223) (4 / 166)، وأحمد في "المسند" (5 / 249، 264)، والحاكم: كتاب الصوم (1 / 421) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(15) البخاري: كتاب الجهاد والسير - باب فضل الصوم في سبيل اللّه (4 / 31، 32)، ومسلم: كتاب الصيام - باب فضل الصيام في سبيل اللّه، لمن يطيقه بلا ضرر، ولا تفويت حق، برقم (167) (2 / 808)، والترمذي: كتاب فضائل الجهاد - باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل اللّه، برقم (1623) (4 / 166)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب في صيام يوم في سبيل اللّه، برقم (1717) (1 / 547، 548)، والنسائي: كتاب الصيـام - بـاب ثواب من صام يوماً في سبيل اللّه، وذكر الاختلاف على سهيـل بن أبي صالح، برقم (2246،2250) (4 / 173)، والدارمي: كتـاب الجهاد - باب من صام يوماً في سبيل اللّه، عز وجل (2/ 203)، وأحمد في "المسند" (3 / 26، 59، 83).
(16) البخاري: كتاب الصوم - باب الرَّيّان للصائمين (3 / 32)، ومسلم: كتاب الصيام - باب فضل الصيام، برقم (166) (2 / 808)، والنسائي، بلفظ متقارب: كتاب الصيام - باب فضل الصيام، برقم (2236، 2237) (4 / 168)، وأحمد في "المسند" (5 / 333)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في فضل الصيام، برقم (1640) (1 / 525)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب في فضل شهر رمضان، وفضل الصيام على سبيل الاختصار (4 / 305).

اقسام الصيام
الصيام قسمان ;فرض .وتطوع .والفرضينقسم ثلاثة اقسام;
1-صوم رمضان.
2-الكفارات.
3-صوم الندر.
والكلام ينحدر هنا في صوم رمضان. وفي صوم التطوع .اما بقية الاقسام. فتاتي في مواضعها.
صوم رمضان:
حكمه:
وأما السنة، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت"(3).
وفي حديث طلحة بن عبيد اللّه، أن رجلاً سأل النبيصلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه، أخبرني عما فرَض الله عَليَّ من الصيام ؟ قال: "شهر رمضان". قال: هل عليَّ غيره ؟ قال: "لا، إلا أن تطّوَّع"(4).
وأجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان، وأنه أحد أركان الإسلام، التي عُلِمَت من الدين بالضرورة، وأن مُنْكِرَه كافرٌ، مُرْتد عن الإسلام.
وكانت فَرْضيتُه يوم الاثنين، لليلتين خلتَا من شعبان، من السنة الثانية من الهجرة.
(1)"كتب": أي؛ فرض. (2) "شهد": حضر.
(3) البخاري بمعناه: كتاب المغازي - باب وفد عبد القيس (5 / 213)، وكتاب الإيمان - باب أداء الخمس من الإيمان (1 / 20، 21)، وكتـاب العلم - باب تحريـض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس أن يحفظـوا الإيمان... (1 / 32)، ومسلم: كتاب الإيمان - باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، برقم (21، 22) (1 / 45)، والترمذي: كتاب الإيمان - باب إضافة الفرائض إلى الإيمان، برقم (2614)، والنسائي: كتاب الإيمان - باب أداء الخمس، برقم (5034).
(4) البخاري: كتاب الإيمان - باب الزكاة من الإسلام (1 / 18)، وكتاب الصوم - باب وجوب صوم رمضان (3 / 30، 31)، ومسلم: كتـاب الإيمان - باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم (8) (1 / 40)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب فرض الصلاة، برقم (391) (1 / 272)، والنسائي: كتاب الصيام - باب وجوب الصيام، برقم (2090) (4 / 120)، والموطأ: كتاب قصر الصلاة في السفر - باب جامع الترغيب في الصلاة، برقم (94) (1 / 175)، ورواه الشافعي، في "الرسالة"، فقرة (344)، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
فضْلُ شهرِِ رمضَانَ ، وفضلُ العملِ فيه
1ـ عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، لما حضر رمضان: "قد جاءكم شهرٌ مبارك، افترض اللّه عليكم صيامه، تفتح فيه أبوابُ الجنّة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِم خيرَهَا، فقد حُرم"(1). رواه أحمد، والنسائي، والبيهقي.
2ـ وعن عرفجة، قال: كنتُ عند عتبة بن فرقد، وهو يحدث عن رمضان، قال: فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلما رآه عتبة هابه، فسكتَ، قال: فحدث عن رمضان، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان: "تغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتُصَفد فيه الشياطين". قال: "وينادي فيه ملك: يا بغي الخير، أبشر، ويا باغي الشر، أقصِر. حتى ينقضي رمضان"(2). رواه أحمد، والنسائي، وسنده جيد.
3ـ وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصّلوَات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرَات لما بينهن، إذا اجْتُنِبَت الكبائر"(3). رواه مسلم.
4ـ وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه، كفَّر ما قبله"(4). رواه أحمد، والبيهقي بسند جيد.
5ـ وعن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً(5)، غُفر له ما تقدم من ذنبه"(6). رواه البخاري، ومسلم.
(1) النسائي: كتـاب الصيـام - باب فضل شهر رمضان، وذكر الاختـلاف على معمر فيه، برقم (2106) (4 / 129)، وأحمد في "المسند" (2 / 230، 385، 425)، والبيهقي بمعناه: كتاب الصيام - باب في فضل شهر رمضان، وفضل الصيام على سبيل الاختصار (4 / 303).
(2) النسائي، بلفظ متقارب: كتاب الصيام - باب فضل شهر رمضان، وذكر الاختلاف على معمر فيه، برقم (2107) (4 / 129، 130)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب في فضل شهر رمضان، وفضل الصيام على سبيل الاختصار، (4 / 303)، وأحمد في "المسند" (4 / 311، 312) (5 / 411).
(3) مسلم: كتـاب الطهـارة - بـاب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر، برقم (16) (1 / 209)، وأحمد في "المسند" (2 / 400).
(4) البيهقي: كتاب الصيام - باب في فضل شهر رمضان، وفضل الصيام على سبيل الاختصار (4 / 304) وأحمد في "المسند" (3 / 55)، وهو ضعيف، انظر "الضعيفة" (5083).
(5) احتساباً: أي؛ طالباً وجه اللّه وثوابه.
(6) البخاري: كتـاب الصوم _ بـاب من صـام رمضان إيماناً واحتساباً ونية... (3 / 33)، وبـاب فضـل ليلة القـدر (3 / 59)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، برقم (175) (1 / 523، 524)، وأبو داود: كتا ب الصلاة (تفريع أبواب شهر رمضان) - باب في قيام شهر رمضان، برقم (1372) (2 / 103)، والنسائـي: كتـاب الصوم - بـاب ما جاء في قيـام شهر رمضان، برقـم (2203 _ 2205) (4 / 157)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم (683) (3 / 58)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها - باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (1326) (1 / 420).
التّرهِيبُ من الفطْرِ في رمضانَ
1ـ عن ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "عُرَى الإسلام، وقواعدُ الدين ثلاثةٌ، عليهنَّ أُسِّس الإسلام، من ترك واحدة مِنْهُنَّ، فهو بها كافر حلال الدم؛ شهادة أن لا إله إلا اللّه، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان"(1). رواه أبو يعْلى، والديلمي، وصححه الذهبي.
2ـ وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفطر يوماً من رمضان، في غير رُخصة رَخّصها اللّه له، لم يَقضِ عنه صيام الدهر كله، وإن صامه"(2). رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال البخاري: ويذكر عن أبي هريرة رَفْعُه: "من أفطر يوماً من رمضان، من غير عذر، ولا مرض، لم يقضه صوم الدهر، وإن صامه"(3). وبه قال ابن مسعود.
قال الذهبي: وعند المؤمنين مُقرَّرٌ أن من ترك صومَ رمضان، بلا مرض، أنه شَرٌّ من الزاني، ومدمِنِ الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنون به الزندقة، والانحلال.
(1) مجمع الزوائد للهيثمي (1 / 47، 48) وقال: رواه أبو يعلى بتمامه، ورواه الطبراني في "الكبير" بلفظ: "بني الإسلام على خمس". فاقتصر على ثلاثة منها، ولم يذكر قول ابن عباس الموقوف، وإسناده حسن. وفي "الترغيب والترهيب" للمنذري (1 / 382): رواه أبو يعلى، وإسناده حسن، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس مرفوعاً، وقال فيه: "من ترك منهن واحدة، فهو باللّه كافر، ولا يقبـل منه صرف ولا عدل، وقد حل دمه". وعزاه ابن حجر في "المطالب العالية"، برقم (2863) (3 / 55) لأبي يعلى، وقال: قال حماد: ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي "الدر المنثور" للسيوطي (1 / 298): أخرجه أبو يعلى، عن ابن عباس مرفوعاً، والحديث ضعيف، تمام المنة.
(2) الترمذي: كتاب الصـوم - بـاب الإفطـار متعمداً، برقـم (723) (3 / 92)، وأبو داود: كتاب الصـوم - بـاب التغليـظ في مَنْ أفطـر عمداً، برقـم (2396، 2397) (2 / 788، 789)، وابن ماجه: كتـاب الصـوم - بـاب كفـارة من أفطر يوماً من رمضـان، برقم (1672) (1 / 535)، والدارمي: كتاب الصوم - باب من أفطر يوماً من رمضان متعمداً (2 / 10)، وأحمد في "المسند" (2 / 458، 470)، وهو ضعيف، انظر: تمام المنة (396).
(3) البخاري: كتاب الصوم - باب إذا جامع في رمضان (3 / 41).
بمَ يثبتُ الشهرُ ؟
يثبت شهر رمضان برؤية الهلال، ولو من واحدٍ عَدْلٍ، أو إكمال عِدَّةِ شعبان ثلاثين يوماً.
1ـ فعن ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ قال: تراءى الناس الهلالَ، فأخبرتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، أني رأيتُه، فصـام وأمَرَ النـاس بصيامـه(1). رواه أبـو داود، والحاكـم، وابن حِبّان، وصححاه.
2ـ وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته(2)، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً"(3). رواه البخاري، ومسلم.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: تُقبلُ شهادةُ رَجُل واحد في الصيام. وبه يقول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد. وقال النووي: وهو الأصح. وأما هلال شوال، فيثبتُ بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً، ولا تُقبَلُ فيه شهادة العَدْلِ الواحدِ، عند عامّةِ الفقهاء.
واشترطوا، أن يشهد على رؤيته اثنان ذوا عدل، إلا أبا ثور، فإنه لم يُفرِّق في ذلك بين هلال شوال، وهلال رمضان، وقال: يقبل فيهما شهادة الواحد العدل.
قال ابن رشد: ومذهب أبي بكر بن المنذر، هو مذهب أبي ثور، وأحسبه مذهب أهل الظاهر، وقد احتج أبو بكر بن المنذر، بانعقاد الإجماع على وجوب الفطر، والإمساك عن الأكل بقول واحد، فوجب أن يكون الأمر كذلك في دخول الشهر وخروجه؛ إذ كلاهما علامة تَفصِلُ زمان الفطر من زمان الصوم.
وقال الشوكاني: وإذا لم يرد ما يَدُلُّ على اعتبار الاثنين في شهادة الإفطار من الأدلة الصحيحة، فالظاهر، أنه يكفي فيه قياساً على الاكتفاء به في الصوم، وأيضاً التعبد بقبول خبر الواحد يَدُلُّ على قبوله في كل موضع، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه، بعدم التعبد فيه بخبر الواحد، كالشهادة على الأموال ونحوها، فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور.
(1)أبو داود: كتاب الصوم - باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، برقم (2342) (2 / 756)، والحاكم: كتاب الصوم - باب قبول شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (1 / 423) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وسكت عليه الذهبي، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الصوم - باب رؤية الهلال، برقم (3438) (5 / 187، 188) وقال الدارقطني: تفرد به مروان بن محمد، عن ابن وهب، وهو ثقة (المنذري).
(2) المراد بالرؤية، الرؤية الليلية.
(3) البخاري: كتاب الصوم - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا..." (3 / 34، 35) ومسلم: كتاب الصيام - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، برقم (4، 18، 19، 20) (2 / 759، 762) والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء لا تَقَدَّمُوا الشهر بصوم، برقم (684) (3 / 59، 60) ومن طريق ابن عباس: باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال، والإفطار له، برقم (688) (3 / 63)، والنسائي: كتاب الصيام - باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم، وذكر اختلاف الناقلين عن أبي هريرة، برقم (2117، 2118) (4 / 133) وترجم له ابن ماجه: كتاب الصوم - باب ما جاء في: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"، برقم (1655) (1/ 530) والدارمي: كتـاب الصـوم - بـاب الصوم لرؤية الهلال (2 / 3) وأحمد في "المسند" (4 / 23،5 / 42).
اختلافُ المطالِع
ذهب الجمهور إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع.
فمتى رأى الهلالَ أهلُ بلد، وجب الصوم على جميع البلاد؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته". وهو خطاب عام لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أيِّ مكان، كان ذلك رؤية لهم جميعاً.
وذهب عكرمة، والقاسم بن محمد، وسالم، وإسحاق، والصحيح عند الأحناف، والمختار عند الشافعية، أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم؛ لما رواه كرَيْب، قال: قدِمتُ الشام، واستهل عليَّ هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس - ثم ذكر الهلال - فقال: متى رأيتم الهلال ؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته ؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزالُ نصومُ، حتى نكمل ثلاثين، أو نراه. فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية، وصيامه ؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (1). رواه أحمد، ومسلم، والترمذي. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، والعمل على هذا الحديث، عند أهل العلم، أن لِكلِّ بلد رؤيتهم.
وفي "فتح العلام شرح بلوغ المرام": الأقرب لزوم أهل بلد الرؤية، وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها(2).
(1) مسلم: كتـاب الصيـام - بـاب بيان أن لكـل بلـد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم، برقم (28) (2 / 765)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم، برقم (693) (3 / 68، 69) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأبو داود: كتاب الصوم - باب إذا رئي الهلال فى بلد قبل الآخرين بليلة، برقم (2332) (2 / 748)، والنسائي: كتاب الصيام - باب اختلاف أهل الآفاق في الرؤية، برقم (2111) (4 / 131).
مَنْ رأى الهلالَ وحْدَه
اتفقت أئمة الفقه على، أن من أبصر هلال الصوم وحده، أن يصوم، وخالف عطاء، فقال: لا يصوم، إلا برؤية غيره معه.
واختلفوا في رؤيته هلال شوال، والحق أنه يفطر، كما قال الشافعي، وأبو ثور؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب الصوم والفطر للرؤية، والرؤية حاصلة له يقيناً، وهذا أمر مداره الحس، فلا يحتاج إلى مشاركة.
أركانُ الصّومِ
للصيام ركنان، تتركب منهما حقيقته: 1ـ الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس؛ لقول الله تعالى: " فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " [البقرة: 187].
والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود، بياض النهار وسواد الليل؛ لما رواه البخاري، ومسلم، أن عَدِيَّ بن حاتم، قال: لما نزلت: " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ " [ البقرة: 187]. عَمَدْتُ إلى عِقالٍ أسودَ، وإلى عِقالٍ أبيضَ، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: "إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار"(1).
2ـ النية؛ لقول اللّه تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [ البينة: 5]، وقولهصلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(2).
ولابد أن تكون قبل الفجر، من كل ليلة من ليالي شهر رمضان؛ لحديث حفصة، قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من لم يُجْمِع(3) الصّيـام قبل الفجر، فلا صيام له"(4).
رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.
وتصح في أي جزء من أجزاء الليل، ولا يشترط التلفظ بها؛ فإنها عمل قلبيٌّ، لا دخل للسان فيه، فإن حقيقتها القصد إلى الفعل؛ امتثالاً لأمر اللّه تعالى، وطلباً لوجهه الكريم. فمن تسحّر بالليل، قاصداً الصِّيام، تقرباً إلى اللّه بهذا الإمساك، فهو نَاوٍ.
ومن عزم على الكفّ عن المفطرات أثناء النهار، مخلِصاً للّه، فهو نَاوٍ كذلك وإن لم يتسحّر.
وقال كثير من الفقهاء: إن نية صيام التّطوع تجزئ من النهار، إن لم يكن قد طعِمَ؛ قالت عائشة: دخل عَليَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: "هل عندكم شيء ؟". قلنا: لا. قال: "فإني صائم"(5).
رواه مسلم، وأبو داود.
واشترط الأحناف، أن تقع النية قبل الزوال. وهذا هو المشهور من قولي الشافعي. وظاهر قولي ابن مسعود، وأحمد، أنها تجزئ قبل الزوال وبعده، على السواء.
(1)البخارى: كتاب الصوم - باب قول اللّه تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ,,,* (3 / 36)، وكتاب التفسير، باب: "قد نرى تقلب وجهك فى السماء*.... إلى "عما تعملون* (3 / 31)، ومسلم: كتاب الصيام - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر...، برقم (33، 34) (2 / 766، 767)، والترمذي: كتـاب التفسير - بـاب ومن سـورة البقـرة، برقـم (2970، 2971) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود: كتاب الصوم - باب وقت السحور، برقم (2349) (2 / 760، 761)، والنسائي، مختصراً: كتاب الصيام - باب تأويل قول اللّه تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر*، برقم (2169) (4 / 148).
(2) تقدم تخريجه، في "فرائض الوضوء".
(3) "يجمع": من الإجماع، وهو إحكام النية والعزيمة.
(4) أبو داود: كتاب الصوم - باب النية في الصيام، برقم (2454) (2 / 823، 824)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء لا صيام لِمَنْ لمْ يعزم من الليل، برقم (730) (3 / 99)، وقال أبو عيسى: حديث لا نعرفه مرفوعاً، إلا من هذا الوجـه. والنسائي: كتـاب الصـوم - بـاب النية في الصـوم، برقـم (2336، 2337) (4 / 197)، وابن ماجه: كتاب الصوم - باب في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم....، برقم (1700) (1 / 542)، والموطأ: كتاب الصيام - باب من أجمع الصيام قبل الفجر، برقم (5) (1 / 288)، والدارمي: كتاب الصوم - باب من لم يجمع الصيام من الليل (2 / 6).
(5) مسلم: كتاب الصيام - باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال... إلخ، برقم (69) (2 / 808)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب في الرخصة في ذلك، برقم (2455) (2 / 824)، والترمذي: كتاب الصوم - باب صيام المتطوع بغير تبييت، برقم (733) (3 / 102)، وابن ماجه: كتاب الصوم - باب فرض الصوم من الليل، برقم (1701) (1 / 543)، والنسائي: كتاب الصيام - باب النية في الصيام، برقم (2327) (4 / 195)، وأحمد في "المسند" (6 / 207).
على مَنْ يجبُ ؟
أجمع العلماء على أنه يجب الصيام على المسلم، العاقل، البالغ، الصحيح، المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض، والنفاس.
فلا صيام على كافر، ولا مجنون، ولا صبي، ولا مريض، ولا مسافر، ولا حائض، ولا نُفَساء، ولا شيخ كبير، ولا حامل، ولا مرضع. وبعض هؤلاء لا صيام عليهم مطلقاً، كالكافر، والمجنون، وبعضهم يطلب من وَليِّه أن يأمره بالصيام، وبعضهم يجب عليه الفطر والقضاء، وبعضهم يُرَخص لهم في الفطر، وتجب عليه الفدية، وهذا بيان كلٍّ على حدة؛
صيامُ الكافرِ ، والمجنونِ
الصيام عبادة إسلامية، فلا تجب على غير المسلمين، والمجنون غير مكلف؛ لأنه مسلوب العقل، الذي هو مناط التكاليف، وفي حديث علي _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ القلم عن ثلاثة؛ عن المجنون حتى يُفِيقَ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"(1). رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
صِيامُ الصَّبي
والصبي، وإن كان الصيام غير واجب عليه، إلا أنه ينبغي لِوَليِّ أمره أن يأمره به؛ ليعتاده من الصغر، ما دام مستطيعاً له، وقادراً عليه؛ فعن الرُّبيِّع بنتِ مُعَوّذ، قالت: أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلمصبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من كان أصبح صائماً، فَليُتمَّ صومَه، ومن كان أصبح مفطراً، فَليَصُمْ بقيّةَ يومه". فكنا نصومه بعد ذلك، ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللُّعْبة من العِهن(1)، فإذا بكى أحدهم من الطعام، أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار(2). رواه البخاري، ومسلم.
(1) العهن: الصوف.
(2) البخاري: كتاب الصوم - باب صوم الصبيان (3 / 47، 48)، ومسلم: كتاب الصيام - باب من أكل في عاشوراء، فليكفّ بقية يومه، برقم (136، 137) (2 / 798، 799).
مَنْ يرخصُ لهم في الفطْرِ ، وتجبُ عليهم الفديةُ ؟
يرخص الفطر للشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يُرْجَى برؤه، وأصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يجدون مُتسعاً من الرزق، غير ما يزاولونه من أعمال.
هؤلاء جميعاً يُرَخّصُ لهم في الفطر، إذا كان الصيام يُجْهدُهم، ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة.
وعليهم أن يُطْعِمُوا عن كل يومٍ مسكيناً، وقدِّرَ ذلك بنحو صاع(1)، أو نصف صاع، أو مُدٍّ، على خلاف في ذلك، ولم يأت من السُّنّة ما يدل على التقدير.
قال ابن عباس: رُخِّص للشيخ الكبير، أن يفطر ويُطْعِمَ عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه(2).
رواه الدارقطني، والحاكم وصححاه.
وروى البخاري، عن عطاء، أنه سمع ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ يقرأ: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " [البقرة: 184]. قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير،والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فَيُطْعِمان(3)مكان كل يوم مسكيناً (4).
والمريض الذي لا يرجى برؤه، ويُجْهده الصوم مثل الشيخ الكبير، ولا فرق، وكذلك العمال الذين يضطلعون بمشَاقّ الأعمال.
قال الشيخ محمد عبده: فالمراد بمن: " يُطِيقُونَهُ *. في الآية، الشيوخ الضعفاء، والزَّمنى(5)، ونحوُهم، كالفعلة الذين جعل اللّه معاشهم الدائم بالأشغال الشاقـة، كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه.
ومنهم المجرمون، الذين يحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، إذا شقَّ الصيام عليهم بالفعل، وكانوا يملكون الفدية.
والحبلى والمرضع، إذا خافتا على أنفسهما، أو أولادهما(6) أفطرتا، وعليهما الفدية، ولا قضاء عليهما، عند ابن عمر، وابن عباس؛ روى أبو داود، عن عكرمة، أن ابن عباس قال، في قوله تعالى: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " [البقرة: 184]: كانت رخصة للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يُفطِرا، ويُطعِمَا مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع، إذا خافتا _ يعني على أولادهما _ أفطرتا، وأطعمتا(7). رواه البزار.
وزاد في آخره: وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، فعليك الفداء، ولا قضاء عليك (8). وصحح الدارقطني إسناده.
وعن نافع، أن ابن عمر، سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها ؟ فقال: تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مُدّاً(9) من حنطة (10). رواه مالك، والبيهقي.
وفي الحديث: "إن اللّه وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم"(11).
وعند الأحناف، وأبي عبيد، وأبي ثور، أنهما يقضيان فقط، ولا إطعام عليهما.
وعند أحمد، والشافعي، أنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا، فعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما فقط، أو على أنفسهما وعلى ولدهما، فعليهما القضاء، لا غير.
(1) الصاع: قدح وثلث.
(2)الدارقطني: كتاب الصيام - باب طلوع الشمس بعد الأفطار، برقم وقال: وهذا إسناد صحيح (2 / 205)، والحاكم: كتاب الصوم (1 / 440) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وفيه الدليل. ووافقه الذهبي. (3) مذهب مالك، وابن حزم، أنه لا قضاء ولا فدية.
(4) البخاري: كتاب التفسير - تفسير سورة البقرة (6 / 30)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى، برقم (2317، 2318)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الحامل والمرضع (4 / 230)، والدارقطني: كتاب الصيام - باب طلوع الشمس بعد الإفطار، برقم (3) (2 / 205)، والحاكم: كتاب الصوم (1 / 440) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(5) المرضى مرضاً مزمناً، لا يبرأ. (6) معرفة ذلك بالتجربة، أو بإخبار الطبيب الثقة، أو بغلبة الظن.
(7) أبو داود: كتاب الصوم - باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى، برقم (2318) (2 / 738)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الحامل والمرضع (4 / 230).
(8) الدارقطني: كتاب الصيام - باب طلوع الشمس بعد الإفطار، برقم (8) (2 / 206).
(9) المد؛ ربع قدح من قمح.
(10) الموطأ: كتاب الصيام - باب فدية من أفطر في رمضان من علة، برقم (52) (1 / 308)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الحامل والمرضع (4 / 230).
(11) أبو داود: كتاب الصوم - باب اختيار الفطر، برقم (2408) (2 / 796، 797)، والنسائي: كتاب الصيام - باب وضع الصيام عن المسافر، وذكر اختلاف معاوية بن سلام، وعلي بن المبارك في هذا الحديث، برقم (2275) (4 / 180)، وباب وضع الصيام عن الحبلى والمرضع، برقم (2315) (4 / 190)، والترمذي: كتاب الصوم - باب الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، برقم (715) (3 / 85)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه: كتاب الصيام، حديث رقم (1667)، وأحمد في "المسند" (4 / 347، 5 / 29).
مَنْ يرخصُ لهم في الفطْرِ ، ويجبُ عليهم القضاءُ ؟
يباح الفطر للمريض الذي يرجى برؤه، والمسافر، ويجب عليهما القضاء؛ قال الله تعالى: " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " [البقرة: 185].
وروى أحمد، وأبو داود، والبيهقي بسند صحيح، من حديث معاذ، قال: إن اللّه تعالى فرض على النبي صلى الله عليه وسلم الصيام، فأنزل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *، إلى قوله: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " [البقرة:183،184]. فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مِسكِيناً، فأجزأ ذلك عنه، ثم إن اللّه _ تعالى _ أنزل الآية الأخرى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ *، إلى قوله: " فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " [البقرة: 185]. فأثبتَ صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الإطعام للكبير، الذي لا يستطيع الصيام(1).
والمرض المبيح للفطر؛ هو المرض الشّديدُ، الذِي يزيد بالصّوْم، أو يُخْشَى تأخر بُرْئه(2).
قال في "المغني": وحكي عن بعض السّلف، أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع، والضرس؛ لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يُبَاح له الفطر، وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض وهذا مذهب البخاري، وعطاء، وأهل الظاهر.
والصحيح الذي يخافُ المرض بالصيام يفطِرُ، مثل المريض، وكذلك من غلبه الجوع أو العطش، فخاف الهلاك، لزِمَه الفِطْرُ، وإن كان صحيحاً مُقيماً، وعليه القضاء؛ قال اللّه تعالى: " وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً " [النساء: 29]، وقال تعالـى: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " [ الحج: 78].
وإذا صام المريض، وتحمّلَ المشقة، صَح صومه، إلا أنه يُكره له ذلك؛ لإعراضِه عن الرُّخصة التي يحبُها اللّه، وقد يلحقه بذلك ضرر.
وقد كان بعض الصحابة يصوم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يفطر، مُتَابعينَ في ذلك فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال حمزة الأسلمي: يا رسول اللّه، أجد مني قوةً على الصوم في السفر، فهل عليَّ جناح ؟ فقال: "هي رخصة من اللّه _ تعالى _ فمن أخذ بها، فحَسَن، ومَنْ أحَبَّ أن يصوم فلا جناح عليه"(3).
رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ قال: سافرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ونحن صيام. قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنكم قد دَنَوتم من عدوكم، والفِطر أقوى لكم". فكانت رخصة، فمنّا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: "إنكم مصَبِّحو عَدوِّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا". فكانت عَزْمَةً، فأفطَرْنَا، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في السفر(4). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنّا الصائم، ومنا المفطر، فلا يَجدُ الصائم على المفطر(5)، ولا المفطر على الصائم، ثم يرون أن من وجد قوةً فصام، فإن ذلك حسن، ويَرَونَ أن من وجد ضعفاً فأفطر، فإن ذلك حسن(6). رواه أحمد، ومسلم.
وقد اختلف الفقهاء في أيّهما أفضل ؟ فرأى أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، أن الصيام أفضل، لِمَنْ قويَ عليه، والفطر أفضل، لمن لا يَقوَى على الصيام. وقال أحمد: الفطر أفضل. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضلهما أيسرهما، فمن يَسْهُلُ عليه حينئذ، ويَشُقُّ عليه قضاؤه بعد ذلك، فالصوم في حَقه أفضل.
وحقق الشوكاني، فرأى أنَّ من كان يَشُقُّ عليه الصّوم ويضره، وكذلك من كان مُعْرِضاً عن قبول الرُّخْصَة، فالفطر أفضل، وكذلك من خاف على نفسه العُجْبَ أو الرِّياء إذا صام في السفر، فالفطر في حقه أفضل، وما كان من الصيام خالياً عن هذه الأمور، فهو أفضل من الإفطار.
وإذا نوى المسافر الصيام بالليل، وشَرَع فيه، جاز له الفطر أثناء النهار؛ فعن جابر بن عبد اللّه _ رضي اللّه عنه _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام، حتى بلغ كُرَاع الغَمِيم(7)، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شَقّ عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضُهم، وصام بعضُهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقال: "أولئك العصاة(8)"(9). رواه مسلم، والنسائي، والترمذي وصححه.
وما إذا نوى الصوم، وهو مقيم، ثم سافر في أثناء النهار، فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الفطر له، وأجازه أحمد، وإسحاق؛ لما رواه الترمذي وحسنه، عن محمد بن كعب، قال: أتيتُ في رمضان أنسَ بنَ مالك، وهو يريد سفراً، وقد رُحِّلتْ له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سُنّة ؟ فقال: سنة. ثم ركب(10).
وعن عبيد بن جبير، قال: رَكبْتُ مع أبي بصرة الغفاري، في سفينة من الفسطاط(11)، في رمضان، فدفع، ثم قرب غداءه، ثم قال: اقترب. فقلت: ألستَ بين البيوت ؟ فقال أبو بصرة: أرغبتَ عن سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (12) ! رواه أحمد، وأبو داود، ورجاله ثقات.
قال الشوكاني: والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه، من الموضع الذي أراد السفر منه.
وقال: قال ابن العربي: وأما حديث أنس، فصحيح يقتضي جواز الفطر، مع أهبة السفر. وقال: وهذا هو الحق.
والسفر المبيح للفطر؛ هو السفر الذي تقصر الصلاة بسببه، ومدة الإقامة التي يجوز للمسافر أن يُفطِر فيها، هي المدة التي يجوز له أن يقصر الصلاة فيها. وتقدم جميع ذلك في مبحث "قصر الصلاة"، ومذاهب العلماء، وتحقيق ابن القيم.
وقد روى أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والطحاوي، عن منصور الكلبي، أن دِحْية ابن خليفة خرج من قرية، من دمشق مَرَّة إلى قدر عقبة(13) من الفسطاط، في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يُفطِرُوا، فلما رجع إلى قريته، قال: واللّه، لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رَغِبوا عن هَدْي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك(14).
وجميع رواة الحديث ثقات، إلا منصور الكلبي، وقد وثقه العِجْلي.
(1)أبـو داود: كتـاب الصـلاة - بـاب كيـف الأذان، برقـم (506) (1 / 347)، وأحمد فـي "المسنـد" (5 / 246، 247).
(2) يعرف ذلك إما بالتجربة، أو بإخبار الطبيب الثقة، أو بغلبة الظن.
(3) مسلم: كتاب الصيام - باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، برقم (107) (2 / 790)، والنسائي: كتاب الصيام - باب ذكر الاختلاف على عروة في حديث حمزة فيه، برقم (2303) (4 / 186، 187)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الرخصة في الصوم في السفر (4 / 243).
(4) مسلم: كتاب الصيام - باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، برقم (102) (2 / 789)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الصوم في السفر، برقم (2406) (2 / 795)، وأحمد في "المسند" (3 / 35).
(5) فلا يجد الصائم على المفطر: أي؛ لا يعيب عليه.
(6) مسلم: كتاب الصيام - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، في غير معصية، برقم (96) (2 / 787)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في الرخصة في السفر، برقم (713) (3 / 83)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في "المسند" (3 / 12)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب من اختار الصوم في السفر إذا قوي على الصيام (4 / 245).
(7) الغميم: اسم واد، أمام عسفان. (8) لأنه عزم عليهم فأبوا، وخالفوا الرخصة.
(9) مسلم: كتاب الصيام - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، برقم (90) (2 / 785)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر، برقم (710) وقال: حديث حسن صحيح (3 / 80، 81)، والنسائي: كتـاب الصيـام - بـاب ذكـر اسم الرجل، برقم (2263) (4 / 177)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب المسافر يصوم بعض الشهر، ويفطر بعضاً، ويصبح صائماً في سفره، ثم يفطر (4 / 246).
(10) الترمذي: كتاب الصوم - باب من أكل ثم خرج يريد سفراً، برقم (799) (3 / 154) وقال المحقق: لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، سوى الترمذي. والبيهقي: كتاب الصيام - باب المسافر يصوم بعض الشهر، ويفطر بعضاً ويصبح صائماً في سفره ثم يفطر (4 / 246)، وقال الألباني: لكن يشهد له الحديث الذي بعده. تمام المنة (400).
(11) الفسطاس؛ مصر القديمة.والحديث رواه أبو داود: كتاب الصـوم - باب متـى يفطـر المسافر إذا خرج ؟ برقم (2412) (2 / 799)، وأحمد في "المسند" (6 / 7)، والبيهقي: كتـاب الصيـام - بـاب من قال: يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر (4 / 246). (12) استفهام إنكاري.
(13) أي؛ أن المسافة التي قطعها من القرية التي خرج منها، تعدل المسافة التي بين مصر القديمة وميت عقبة المجاورة لامبابة، وقدرت هذه المسافة بفرسخ.
(14) أبو داود: كتاب الصوم - باب قدر مسيرة ما يفطر فيه، برقم (2413) (2 / 800، 801)، وقال المنذري، وهو يشير إلى منصور الكلبي: فإن رجال الإسناد جميعهم ثقات، محتج بهم في الصحيح سواه، وهو مصري. والبيهقي: كتاب الصيام - باب جواز الفطر في السفر... (4 / 241).
مَنْ يجبُ عليه الفطرُ والقضاءُ معًا ؟
اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء، ويحرُم عليهما الصيام، وإذا صامتا، لا يصح صومهما، ويقع باطلاً، وعليهما قضاء ما فاتهما؛ روى البخاري، ومسلم، عن عائشة، قالت: كنا نحيضُ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فنؤمَرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة(1).
(1) البخاري بمعناه: كتاب الحيض - باب لا تقضي الحائض الصلاة (1 / 88)، ومسلم: كتاب الحيض - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض، دون الصلاة، برقم (69) (1 / 265)، وأبو داود: كتاب الطهارة - باب في الحائض لا تقضي الصلاة، برقم (262، 263) (1 / 180)، والترمذي: كتاب الطهارة - باب ما جاء في الحائض، أنها لا تقضي الصلاة، برقم (130) (1 / 234) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها - باب الحائض لا تقضي الصلاة، برقم (631) (1 / 207)، والنسائي: كتاب الحيض والاستحاضة - باب سقوط الصلاة عن الحائض، برقم (382) (1 / 191، 192)..

0 التعليقات:

إرسال تعليق